☘️🌹☘️
ما بين أول دوي صوت رصاصة في قلب العاصمة الخرطوم ، وآخر طلقة في معاقل التمرد ، كانت هنالك حكاية جيش مقدام تقطعت أمامه السبل و لكنه لم يسقط على الرغم من أن كل الشواهد كانت تؤكد سقوطه منذ الوهلة الأولى ، فقد سقطت عليه المدن ، وتهاوت من حوله الأبنية ، وتصدعت أمامه الخرائط ، إلا أنه ظل واقفاً يقاتل وحده ، وصابراً محتسباً لم تنكسر له قناة او يلين له جانب ، وكان على يقين أن النصر آت لا محال ، طالما أن هنالك شعب ينتظره ويسنده ، حتى أتت هذه الساعة التي كان ينتظرها كل الشعب ، فلم يكن الوصول إلى ما تم تحقيقه من مكاسب عسكرية يعتبر محض صدفة ، فقد جاء ذلك بدماء عزيزة قدمها الشهداء في ميادين الوغى .
لم يكن هذا النصر وعداً ، وخصوصاً أن كل المعطيات جعلت فرض إحتماله ضئيلة جداً في لحظة الانكسار الأولى ، وكان العدو بأعوانه في الداخل والخارج مستقوياً بهم ، وهو موجود في كل شارع ، والإحباط كان في كل بيت سوداني ، والأمل في كل خندقٍ ، لم يغلق الجنود أعينهم في وجه العاصفة ، وثبتوا وحملوا الوطن على أكتافهم المتعبة ، ووقفوا كالجبال الراسيات ، حينما فر الآخرون ، أو ارتضوا بالهزيمة .
ثلاث سنوات وحرب ضروس كانت كفيلة بتفكيك أي جيش من جيوش العالم ، وكفيلة بتمزيق أي وطن من الاوطان ، لكن السودان ظل ثابتاً لم يسقط وذلك لأن شبابه في الميادين لم يسمحوا له بالإنحناء فضلاً عن السقوط ، فكانوا سنداً وعوناً لقواته المسلحة بدمائهم فاستطاعوا كتابة الفصل الأخير من هذه الملحمة .
ما حدث في السودان بفضل قوات الشعب المسلحة لا نحسبه إنتصاراً عسكرياً ، فهو بكل تأكيد يمثل ملحمة وطنية خالدة ، والتي سيخرج منها الشعب أكثر وعياً ، وأكثر توحداً ، وقد تعلم الدرس الأثمن في الحياة ، ما حكّ جلدك مثل ظفرك ، وما حمى ظهرك إلا سلاحك .
الجيش الذي كان بالأمس محاصراً في قلب العاصمة ، حتى ظن البعض أنه قد إنتهى ، فها هو اليوم يحتفل بعيد ميلاده الحادي والسبعين ، وهو ممسك بزمام البلاد ، وليس في موقع الدفاع ، ولكنه في موقع القائد الذي يعرف الطريق .
نعم لقد سقطت العاصمة في يد المليشيا ، واحترقت المقار ، وكم من جندي فقد أو تم أُسره أو استشهد ، لكن الإرادة لم تسقط ، والعقيدة لم تهتز ، والراية لم تنكس .
وكان لخروج البرهان من القيادة قصة سنرويها لا لينام بها الأطفال ولكن ليستيقظ بها الكبار بدويها .
لقد أرهقت الحرب السودان، وتوهم البعض أن البلاد قد أحيط بها ، وضاعت وإنكفأت إلى غير رجعة ، إلا أن الوطن نهض كما تنهض الإبل المُناخة بعد عناء السفر ، رافعاً هامته بشموخ لا يعرف الانكسار وعزة ، وتعافى كما تعافى نبيّ الله يونس عليه السلام ، حين خرج من ظلمات الحوت إلى نور الحياة ، صابراً محتسباً ، فكان لنا فيه أسوة في الخروج من الابتلاء ، واليوم نخطو بثبات نحو فجر جديد ، ونعود فيه أكثر منعةً وصلابة ، موحدين صفوفنا بالعزيمة ، ولا ولن تهزنا أو تنال منا العواصف ، و المحن ،وها هي قد مالت الكفة للنصر و هذا الشعب لم يطلب أكثر من فرصة للدفاع عن وطنه .
اليوم لا بد أن نذكر أولئك الذين لم يحملوا السلاح، ولكنهم حملوا الوطن في كلماتهم وفي مواقفهم ، وفي صمودهم المعنوي ، لقد كانوا وقوداً للروح حين شحّ الوقود المادي ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر : الأستاذ خالد الأعيسر فكان جندياً بكلماته المقاتلة ، والأستاذ حسن إسماعيل فكان بثباته المعروف ، والعميد طارق كيجاب بثقله الوطني ، وغيرهم كُثر، لا تسمح السطور بحصرهم ، ولكنهم محفورون في ذاكرة هذا النصر .
نحن لا نعتبر أن الحرب قد إنتهت ، وتعلمنا الدروس القاسية بدمائنا ، ولهذا لا نصدق من يعدنا بالأمان من خلف الحدود ، وأن بناء الاوطان لا يتم إلا بسواعد أبنائها .
في عيد الجيش الـ71، نحن نحتفل ببعث جديد ، بعد أن خرج جيشنا من فك الأسد أكثر قوة ، وأكثر تماسكاً ، وأكثر وطنية، ولقد حُمل ما لا يُحتمل، وصبر حتى انقشعت الغُمّة ، وحين ضرب العدو ، ضربه وهو يحمل هم الوطن ولم يضرب بغل الانتقام .
فلنرفع عالياً الرايات لجيشنا المقدام إبتهاجاً ، سائلين له المولى عز وجل أن يبقى دائماً جدارنا العالي الذي يحمينا و يأوينا ، وكل عام وجيش السودان بألف خير ، وكل عام ووطنه أقرب إلى ما يستحق من نصر مؤزر .
نصر من الله و فتح قريب