☘️🌹☘️
تمر البلاد بفترة عصيبة على كل الأصعدة ، حيث يعاني المواطن السوداني من أزمة شح النقد المحلي التي أصبحت هاجساً يومياً ، و يرتبط ذلك بعدة عوامل معقدة جداً ، بما في ذلك عدم جاهزية الأنظمة الرقمية في البلاد ، و ضعف شبكات الإتصالات و غياب الرقابة المصرفية ، و تدهور الوضع الاقتصادي العام ، مما جعل الحصول على (الكاش) أمراً شبه مستحيل بالنسبة للكثيرين ، فلذلك يقع المواطن فريسة بين مطرقة التضخم و سندان ارتفاع الأسعار ، و هذا ما جعل الشعب السوداني يعيشون في حالة من الضغوط المستمرة ، و من الصعوبة بمكان التكيف مع هذه الأزمة التي لا تبدو لها حلول سريعة .
فإن أحد أبرز ملامح هذه الأزمة هو السياسات الإقتصادية الإرتجالية ، و التي لا تخضع للدراسة و أحياناً يتحكم في ذلك الحالة المزاجية و تتم هذه العمليات (كركوب) الرأس ، و الشيء الذي يفاقم هذه المشكلة هو ضعف شبكات الإتصالات ، و هذا الامر جعل التجار و اصحاب الخدمات في حاجة ماسة للكاش كبديل سريع ، و لهذا إعتمد المواطن على السوق السوداء و السماسرة كمنافذ للحصول على السيولة ، في ظل هذا الشح الكبير في النقد ، لذلك يلجأ الناس إلى طرق غير رسمية للحصول على الأموال، حيث تصل عمولات السماسرة إلى نسب عالية جداً مابين 20 ال30 % ، مما يزيد من معاناة الأفراد في عمليات التورق ، و في هذه الأوقات العصيبة لا يجد المواطن سوى التضحية والموافقة على كل الشروط المجحفة للحصول على المبالغ التي يحتاجها .
تدهور الوضع الاقتصادي ، يزيد العبء على المواطن السوداني ، فقد أصبحت تكاليف المعيشة لا تطاق في ظل ارتفاع أسعار السلع و الخدمات ، حيث تفاقمت المشاكل المعيشية بشكل ملموس في هذه الايام الأخيرة، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للعديد من الأسر السودانية .
القطاع المصرفي في السودان يعاني من مشكلات بنيوية عديدة ، تشمل عدم توفر فروع مصرفية في المناطق الريفية و أطراف المدن المكتظة بالسكان ، و لذلك يلجأ الناس للتعامل النقدي في مثل هذه المناطق . و هذا الضعف في البنية التحتية المصرفية و الأنظمة الرقمية يزيد من الاعتماد على السماسرة وأسواق العملة السوداء ، مما يعزز من معاناة المواطنين. علاوة على ذلك، تعاني المصارف من محدودية قدرتها على توفير السيولة، و كما تفرض قيوداً صارمة على السحب اليومي ، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى الكاش .
من جهة أخرى ، لا يمكن إغفال تأثير الأوضاع الأمنية غير المستقرة على الاقتصاد ، حيث تعاني الدولة من تدمير البنية التحتية المصرفية ، و لذلك تقل جودة الخدمات المالية التي تقدمها المصارف ، و هذا الوضع يزيد من صعوبة الوصول إلى النقد ، و كما يزيد من اللجوء إلى الاقتصاد الموازي كحل بديل ، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل عام .
رغم تفاقم الأوضاع ، هناك بعض الحلول المقترحة التي يمكن أن تساهم في التخفيف من هذه الأزمة ، أولًا : ينبغي على السلطات المختصة إصلاح النظام المصرفي إصلاحاً جذرياً ، و تعزيز البنية التحتية المالية ، و ثانياً : من المهم نشر ثقافة الدفع الإلكتروني ، و ثالثاً إصلاح شبكات الإتصالات لتقليل الاعتماد على المعاملات النقدية التقليدية ، و رابعاً ، يجب مكافحة السوق السوداء عبر سياسات رقابية صارمة ، و تعزيز الشفافية في عملية توزيع السيولة ، و أخيراً قد يساعد التحفيز على التحويلات البنكية الرسمية في تقليص الفجوة التي يشكلها الاقتصاد الموازي .
من الجوانب المهمة جداً التي يجب التركيز عليها في هذه الأزمة هو دور التوعية بالحكم الشرعي فيما يتعلق بالربا واحتكار السيولة ، و في هذا السياق يُعتبر (الإعلام) الرسمي جزءاً أساسياً في نشر الوعي حول ضرورة اتباع الأسس الشرعية في المعاملات المالية ، خاصة في الأوقات التي تزداد فيها معاناة المواطن بسبب الأزمة الاقتصادية .
إن أزمة شح السيولة في السودان ليست مجرد مشكلة اقتصادية فحسب ، بل هي أزمة متشابكة تتطلب معالجة شاملة على مختلف الأصعدة ، و لذلك من الضروري تحسين النظام المصرفي ، و تعزيز الشفافية ، وتوسيع نطاق الدفع الإلكتروني لتخفيف العبء عن المواطنين و معالجة إشكالات شبكات الإتصالات، و في ذات الوقت، يجب مكافحة الممارسات غير الشرعية مثل الربا ، وتعزيز دور الإعلام في نشر التوعية والتثقيف حول الحلول الممكنة .