39 C
Khartoum
الأحد, أغسطس 31, 2025

همس الحروف .. نفير العاصمة القومية إنتصار للإرادة الوطنية ..✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

☘️🌹☘️

تجلت نفرة أبناء السودان وعزيمتهم المشهودة خلال فترة الحرب في أبهى صورها ، ولا يمكن لأحد إنكار ما قدموه من تضحيات عظيمة وجهود جبارة فاقت حدود التصور و المعقول ، وقد ظهرت هذه الروح الوطنية بوضوح في نُفرة العاصمة القومية ، التي جاءت بهدف تهيئة بيئة العودة للمواطنين والمؤسسات ، باعتبارها خطوة أولى على طريق النهوض ، وإعادة الإعمار ، وإستعادة إنسياب الخدمات الأساسية للمواطنين .

النفرة اليوم ليست خياراً للتفكه ، لانها تعتبر ضرورة وطنية واجبة ، تمليها المرحلة ويفرضها الواقع ، وهي بمثابة صرخة وعيٍ جماعي تعبر عن إرادةِ شعبٍ أدرك أن لا منقذ له سوى سواعد أبنائه ، ولا عون يأتيه إن لم يبدأ هو بالمسير ، لقد تواطأت القناعة في القلوب والعقول ، شعباً ومؤسسات دولة ، بأن لا عودة حقيقية للمواطنين إلى الأماكن التي فروا منها إلا إذا باتت بيئة الوطن بيئة تليق بهم ، وباتت تٌشبه أحلامهم ، فلا مؤسسات ستقوم ولا حياة تدب في الجسد المنهك ما لم تُزرع الأرض بالأمل ، وتُشحذ الهمم ، وتُستنفر الطاقات من أجل إسترداد عافية وطن مخطوف ، طال غيابه ، وآن له أن ينهض بجهد أبنائه .

ولأن الموقف يستدعي تلاحماً وطنياً لا يعرف اللون الرمادي ، وأيضاً إستنهاضاً للضمير الجمعي في هذه الحظة المصيرية ، فقد لبى النداء نفر كريم من أبناء هذا الوطن الأوفياء، فجاءت المشاركة الفاعلة للجنرال المدفعجي ، الفريق الركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم ، والي الولاية الشمالية ، إلى جانب السيد الفريق الركن محمد احمد حسن والي ولاية القضارف ، والسيد الفريق الركن مصطفى محمد نور ، والي ولاية البحر الأحمر ، دعماً ومساندةً لأخيهم ، السيد الأستاذ أحمد عثمان حمرة والي ولاية الخرطوم ذلك الرجل الذي يصعب إختزاله في سطر أو سطرين، لما يحمل من صدق الانتماء ، ووضوح الرؤية وصلابة الموقف .

وقد تشرفت هذه النفرة الوطنية بحضور دولة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور كامل إدريس ، على رأس طاقمه الوزاري الكامل ، في مشهد وطني مهيب ، لا يحتاج إلى زخرف القول أو خطابات التجميل ، إذ كانت الأفعال أبلغ من الكلام ، والانتماء الصادق أوضح من كل بيان .

بهيبة الجندية ، وقوة الشخصية ، وصدق الانتماء ، إختار الجنرال المدفعجي سعادة الفريق ركن عبد الرحمن أن يسلك درب الخرطوم دون بروتوكولات أو حراسات ، في الوقت الذي كان يروج فيه المرجفون الخوف ويسوقون الهلع وعدم الأمان ، ويتحدثون عن الفوضى وكأننا نعيش حالة من حالات افلام الرعب ، وكل ذلك بغرض إثارة الفتنة ، إلا أن الجنرال المدفعي رجل مختلف ، ولهذا نجده دائماً يرسل برسائل صامتة تختزل الكثير من الكلام ، وتأتي كإضافة في بريد المواطن البسيط ليقول له : أن (الوطن بخير فلا تقلق) ، ويرسل يأخرى في بريد الخونة وأعداء الداخل والخارج ، ويختم يرسائل قوية في بريد الحالمين بكوابيس السلطة المغتصبة ، ليقول للجميع إن السودان لا يحكم بالبندقية ، ولن يركع أمام الاغتصاب ، يعيش حراً أو يمون دون ذلك واقفاً ، وإن الدم لا يمضى عليه في موائد السياسة .

تدشين النفرة الذي شرفه الحضور الأنيق للبروف كامل إدريس رئيس الوزراء، يضع ختاماً يليق بالبداية التي أسس لها سعادة الجنرال المدفعجي ، ويعطي للمشهد بعده السياسي والمجتمعي ، ويرفع من الخرطوم صوت الوطن عالياً فوق كل الأصوات ، متجاوزاً السرديات المفبركة ، وشعارات الوهم التي تسوقها المليشيا وجناحها السياسي عبر المنابر الإقليمية والدولية .

يجب على الجناح السياسي للمليشيا أن يعلم علم اليقين أن الشيء الذي حدث في السودان لم يكن مشهداً من فيلم ، ولا حبكة درامية يعاد تمثيلها حسب مزاج المخرجين ، ولكنها كانت عبارة عن وقائع حية عشناها لحظة بلحظة ، وسال فيها دم الأبرياء، وأُغتصبت فيها الكرامة ، ودمرت فيها المدن وكل ما نملك ، ونزح الملايين ، ومنهم أنتم أيها الخونة ، فكيف لعاقل أن يقبل بإعادة إنتاج الجريمة على هيئة مشروع حكم ؟ .. وكيف يُمكن لشعبٍ ذاق مرارات القهر أن يسلم مفاتيح حكم بلاده مرة أخرى لمن دمرها ؟! .

لا مكان في هذا الوطن لمن خانوه، مهما تزيّنوا بأقنعة السياسة ، ومهما راهنوا على الضغوط الدولية ، أو التفاوض الذي يحدث بين الفينة والأخرى هنا وهناك في أماكن عديدة في العالم ، و عليهم أن يعلموا : (إذا بصم سعادة البرهان معهم بأصابعه العشرة في أي إتفاق) ، لن يكون هؤلاء الخونة هم أحد خيارات الشعب ، ولن يقبلهم أحد ، لقد وعى الشعب دروسه جيداً ، وأدرك أن كلفة الصمت أكبر من كلفة المواجهة بألف مرة .

نفير الخرطوم كان في ظاهره عبارة هن مشروع تنموي يؤسس لإعادة الإعمار ، ولكن يمثل باطنه فعل مقاومة شعبية ، وراية سيادة ، ورسالة عودة تُكتب بالعرق و الدم .. وهو بداية لمسار ، ولا بد أن يستكمله كل أبناء السودان ، بلا تردد ، فالخرطوم ستعود كما كانت وأحسن مما يتصور الجميع ، والسودان سيسترد أنفاسه ولو طال الزمن ، ولن يُحكم بعد اليوم إلا بإرادة شعبه الذي صبر و تحمل كامل هذه الجريمة بدون ذنب .

نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا