31.7 C
Khartoum
الإثنين, سبتمبر 1, 2025

همس الحروف .. الرشيد بجة ، رجل متدثر بثياب الإنسانية .. ✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

☘️🌹☘️

دنقلا العاصمة مدينة جميلة ، وما زالت تحتفظ بطابعها القروي الأصيل ، من حيث بساطة شعبها وعفويته ، ولا تذكر دنقلا إلا و يذكر معها الطيبة والكرم ، وذلك لأن مكارم الأخلاق عند أهلها فطرة تجري في عروقهم كما يجري الماء في الجداول ، وشعب هذه المدينة شعب يتمتع بقدر عالي من الإنسانية المجردة ، وله قصص وحكايات ومواقف نبيلة يطول سردها ، وكأنها قصص من ألف ليلة وليلة ، يتمتعون بالروقان ، وهداوة البال ، فالعطاء والكرم الاصيل منجذر فيهم ، ومن بين هذه الإنسانية المتدفقة في أحياء و حواري دنقلا ، كان لأسرة المرحوم حسن بجة مواقف لابد ان يقف عندها التاريخ ليوثق منها بعض المشاهد التي تستحق الثوثيق ، فهذه الأسرة الصغيرة على بساطتها كانت مدرسة في النبل ، والإيثار ، والنخوة ، والشهامة والكرم الفياض ، فعطائهم لغيرهم يبذلونه بطيب نفس ، وخاطر مشروح ، فهم في هذا المضمار أعلاماً وأرقاماً ونجوماً ، فمتعتهم في الحياة خدمة الناس ، فهم دائماً يؤكدون لنا بأن الدنيا ما زالت بخير ، فإشراقاتهم لا تخطئها عين ، فهي كالشمس وضوحاً عندما تشرق على ضفاف النيل .

الرشيد بجة هو أحد أفراد هذه الأسرة الكريمة ، وله حضور مميز في سجل العطاء ، فهو كالنسمة الباردة التي عندما تغشي الدواخل المتعبة في أيام الحر الغائظ فتدلق فيها بشارات الأمل ، واقداح السرور ، فنجده صاحب كفين مبسوطتين بالعطاء في زمان اشتدّت فيه الحاجة وتقلصت فيه الأيدي الممدودة للناس بالخير ، إنه شاب كريم ، و صاحب قلب واسع ، فهو لا يملك ثروة ، إلا ما يرزقه الله من رزق اليوم باليوم ، ولكنه يملك من النبل ما يثقل كفتي ميزانه في الدنيا والآخرة .

الرشيد بجة لم يكن في هذا المضمار وحده بين افراد أسرته ، فهم نبت حلال في أرض طيبة ، سقيت بماء طيب ، فكما تُثمر الشجرة الطيبة في أرض خصبة ، فقدأثمرت تربية المرحوم الحاج حسن عبدون محمد (حسن بجة) ، التي إرتوت بقيم الأصالة والكرم ، فأبناء هذا الرجل نجدهم يحملون الهم عن غيرهم ، وفي مقدمتهم تأتي أمهم الحاجة هدى محمد بشير ، تلك المرأة الاصيلة التي قل إن تراها عابثة ، على الرغم من الظروف القاهرة التي واجهتها في الحياة بعد رحيل رفيق دربها ، فكانت هي الأم والأب معاً ، وقد كابدت الأمرين لتجعل أولادها في مقدمة الصفوف ، فأثمر غرسها ، رجالاً ونساءً ، ونحن لا تملك أمام عطائهم الذي لمسناه منهم إلا أن نرفع أُكف الدعاء لهم بصدق من القلب .

في زمن الحرب ، حينما أظلمت الطرق أمام الناس من ألسنة اللهب ، ولا ننكر إننا نعيش في زمان الفواجع والأحزان ، فإنتشرت قوافل الترحال بحثاً عن السكينة و السكن في المدن الآمنة ، و منهم من فضل المنافي البعيدة … وفي ظل هذه العتمة كانت بيوت آل بجة مضاءة بنور الرحمة ، فلم يُغلقوا ابوابهم في وجه من قصدهم ، ففتحوا قلوبهم قبل ، بيوتهم كما تُفتح المصاحف في ليلة ختم القران ، فأرقدوا الضيوف على الأسرة ، وافترشوا الأرض .. فما كان العطاء عندهم مكرمة ، ولكنه كان واجباً مقدساً .

فقد برزت في حلبة عطاء هذه الأسرة على نطاق دنقلا الأستاذة بسمة بجة وزوجها زهير ، فكانا جزءاً لا يتجزأ من الرحمة الممتدة ، قد أعجز عن توصيف حقيقتهم ، لأن الكلمات تتقاصر دونهما ، وتعجز عن وصفهما العبارات ، فقد كانت بسمة بإنسانيتها حاضرة بقلب الأم ، وحنان الأخت ، وكذلك كان الأخ زهير بحر متلاطم الأموج ، فهو في حالة إستعداد دائم لبذل كل ما يملك في سبيل إكرام ضيفه ، وكذلك كان الاخ عبد الله بجة (دولة) كما يحلو لأهله مناداته ، فهو نسمة من الرحمة ، ينفق عن فقر و لا يحسب كم أعطى ، وكذلك كان خالد و عادل ، فهم ذرية بعضها من بعض ، ومنذ ان عرفناهم فهم مدرسة في العطاء وحب الغير ، وفعل الخير ، ويكفي هذه الأسرة فخراً أن جميع أبنائها وأحفادها متمسكون بمكارم الأخلاق ، وكأن الكرم انتقل فيهم جيلاً بعد جيل .

الرشيد بجة ، ودولة ، وخالد ، وعادل ، وبسمة (نوارتهم) وزوجها زهير الذي لا نعرف لكرمه حدود ، لم يسألوا ضيوفهم عن قبيلة ، ولا عن مذهب ، فهم يتلذذون بالعطاء في زمن قلّت فيه الإنسانية .

هؤلاء أناس بسطاء جداً ، لا يطلبون مناصب ، ولا أوسمة ، على الرغم من نيلهم لوسام الإنسانية في أعلى تجلياتها ، وكان لا بد من تكريمهم ولو بشكل إفتراضي ، و مهما بالغنا في ذلك ، فلن نجد لهم أفضل من الدعاء على ظهر الغيب بأن يوسع الله لهم في أرزاقهم ، و ان يطيل أعمارهم في الخير ، وان يبارك لهم في صحتهم وأن ييسر لهم الخير أينما حلوا .

فلك مني يا الرشيد بجة وزوجتك هند أزهري ، و أبنائك هدى ، ومازن ، وحمودي ، وهديل ، والعقد الفريد من اسرتك الكبيرة ، السلام ما بقي الكرم في دنقلا ، وما بقيت أصالة قرى (الهمك والترعة و شيخ غالب) في صدور أهلها ، فقد لا تكتب الصحف أسماءكم ، وقد لا تُرفع صوركم في الساحات ، ولكن يكفي أن تُكتب أعمالكم في صحائف الرحمن التي لا تمحى ، ولا يضيع عنده أجر المحسنين ، حفظكم الله تعالى ورعاكم وسدد خطاكم يا عظماء .

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا